غزوة تبوك في رجب (سنة 9هـ) في أعقاب فتح مكة وانتصار الرسول(صلى الله عليه وسلم) في الطائف، وصلت الرسول (صلى الله عليه وسلم) أخبار من بلاد الروم تفيد أنَّ ملك الروم وحلفاءه من العرب من لخم وجذام وغسان وعاملة قد هيأ جيشاً لمهاجمة الدولة الإسلامية قبل أن تصبح خطراً على دولته.
استعدادات
وأرسل النبيّ صلى الله عليه واله وسلم إلى القبائل العربية في مختلف المناطق يستنفرهم على قتال الروم، فاجتمع له حوالي ثلاثين ألف مقاتل تصحبهم عشرة آلاف فرس.
وكان الوقت صيفاً والجو شديد الحرارة وبالرغم من كلِّ ذلك، استقبل أغلب المسلمين هذه الدعوة بقلوب عامرة بالإيمان .فتجهز الرسول وأمر بالنفقة في سبيل الله ، فتبرع أهل الغنى وتبرع أبو بكر بجميع ما تبقى من ماله ، وتبرع عثمان بنفقة عظيمة لم يبلغه أحد سواه ، قيل: كانت ثلاثمائة بعير وألف دينار.[1]
وبعد أن استخلف الرسول(صلى الله عليه وسلم) سباع بن عرفطة على المدينة، وعلي بن أبي طالب على أهله . بدأ المسلمون سيرهم، وقطعوا آلاف الأميال عانوا خلالها العطش والجوع والحر ومن قلّة وسائل الركوب، وقد سميت الغزوة "غزوة العسرة"، وقالوا إنَّها جاءت عسرة من الماء وعسرة من الظهر، وعسرة من النفقة .[2][3]
وقد أنزل اللّه الله آيات تتحدّث عن أجواء هذه الموقعة، وتدعو المسلمين إلى التمسك والالتزام بمبادئ دينهم التي لا يجوز التفريط بها لأي سببٍ كان {يا أيُّها الذين آمنوا ما لكم إذا قيل لكم انفروا في سبيل اللّه اثاقلتم إلى الأرض أرضيتم بالحياة الدنيا من الآخرة فما متاع الحياة الدنيا في الآخرة إلاَّ قليل * إلاّ تنفروا يعذبكم عذاباً أليماً ويستبدل قوماً غيركم ولا تضرّوه شيئاً واللّه على كلِّ شيء قدير} (التوبة: 38 ـ 39).
نزل الجيش الإسلامي بتبوك، فعسكر هناك، وهو مستعد للقاء العدو، وقام رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم فيهم خطيباً، فخطب خطبة بليغة
[عدل] النصر
وأما الرومان وحلفاؤهم فلما سمعوا بزحف رسول اللَّه صلى الله عليه وسلم أخذهم الرعب فلم يجترئوا على التقدم واللقاء، بل تفرقوا في البلاد في داخل حدودهم، فكان لذلك أحسن أثر بالنسبة إلى سمعة المسلمين العسكرية، في داخل الجزيرة وأرجائها النائية. وحصل بذلك المسلمون على مكاسب سياسية كبيرة وخطيرة بما لم يكونوا يحصلون عليها لو وقع هناك اصطدام بين الجيشين .
استقر هرقل، بهدف استدراج القوات الإسلامية إلى الداخل والانقضاض عليها، ولكنَّ الرسول (صلى الله عليه وسلم) أفشل مخططهم وعسكر في تبوك، وجعلها آخر نقطة في توغله شمالاً، وراح يُراقب تحرّكات الروم.
أخذ الرسول (صلى الله عليه وسلم) يتصل بالقبائل العربية المتنصرة المجاورة ويعقد معهم معاهدات الصلح والتعاون، وكان من هؤلاء يوحنا بن رؤبة صاحب أيلة الذي صالح الرسول (صلى الله عليه وسلم) ووافق على منحه
رجع المسلمون من تبوك مظفرين منصورين، لم ينالوا كيداً، وكفى اللَّه المؤمنين القتال.
[عدل] المصادر
* نبي الرحمة
1. ^ " ثم إن النبي ـ صلى الله عليه وسلم ـ تجهز وأمر بالنفقة في سبيل الله وأنفق أهل الغنى وأنفق أبو بكر جميع ما بقي عنده من ماله وأنفق عثمان نفقة عظيمة لم ينفق أحد أعظم منها قيل: كانت ثلاثمائة بعير وألف دينار. " كتاب الكامل في التاريخ - عز الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم الجزري الشهير بابن الأثير
2. ^ "واستخلف رسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ على المدينة سباع بن عرفطة وعلى أهله علي بن أبي طالب فأجف به المنافقون وقالوا: ما خلفه إلا استثقالًا له. فلما سمع علي ذلك أخذ سلاحه ولحق برسول الله ـ صلى الله عليه وسلم ـ فأخبره ما قال المنافقون فقال: (كذبوا وإنّما خلّفتُك لما ورائي فارجعْ فاخلفْني في أهلي وأهلك أما ترضى أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى إلاّ أنّه لا نبيّ بعدي)." كتاب الكامل في التاريخ - عز الدين أبو الحسن علي بن محمد بن عبد الكريم الجزري الشهير بابن الأثير
3. ^ "قال ابن هشام: واستخلف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم على المدينة محمد بن مسلمة الأنصاري. قال: وذكر الدراوردي: أنه استخلف عليها عام تبوك سباع بن عرفطة. قال ابن إسحاق: وخلَّف رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم علي ابن أبي طالب على أهله، وأمره بالإقامة فيهم، فأرجف به المنافقون، وقالوا: ما خلفه إلا استقلالاً له، وتخففاً منه، فلمَّا قالوا ذلك، أخذ عليّ سلاحه، ثمَّ خرج حتَّى لحق برسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم وهو نازل بالجُرْف، فأخبره بما قالوا. فقال: ((كذبوا ولكني خلَّفتك لما تركت ورائي، فارجع فاخلفني في أهلي وأهلك، أفلا ترضى يا علي أن تكون مني بمنزلة هارون من موسى، إلا أنه لا نبي بعدي)). فرجع علي، ومضى رسول الله صلَّى الله عليه وسلَّم في سفره. كتاب البداية والنهاية - الإمام الجليل الحافظ عماد الدين أبي الفداء إسماعيل ابن كثير